18 SECTEUR 5 AV OMAR IBN KHATTAB MASSIRA 2, Temara 12000


Oubbajeddiavocate@gmail.com

+212 661-861285
+212 537-580408

مؤسسة النيابة العامة في القانون المغربي

مقدمة :

النيابة العامة مؤسسة قضائية من نوع خاص، وتسمى بالقضاء الواقف، وإن كان البعض يعارض في صفتها هذه، على اعتبارأنها طرف في الدعوى العمومية. والطرف لا يكون خصما وحكما. إلا أن الفصل الثاني من المسطرة من المسطرة الجنائية يقرر لها هذا الوصف بصراحة. وفي القديم كانت النيابة العامة طرفا عاديا يقف بين يدي القضاء على قدم المساواة مع المتهم، ومن ثم كانت تسميتها بالقضاء الواقف، وبعد ذلك تغير الوضع وأصبحت تتمتع بامتيازات معلومة.

وقد عهد قانون المسطرة الجنائية للنيابة العامة بإقامة الدعوى العمومية وممارستها، أي تحريكها وتتبعها ومراقبة سيرها إلى غاية تنفيذ الحكم الصادر بشأنها، بما في ذلك القيام بإشعار الوكيل القضائي للمملكة بالمتابعات المقامة في حق القضاة أو الموظفين وإشعار الإدارة التي ينتمون إليها، والسهر على تنفيذ المقررات القضائية، وتسخير القوة العمومية مباشرة أثناء ممارسة مهامها.

ودراسة هذا الموضوع يستدعي أن نبحث في تطور هذه المؤسسة، لنستطيع الوقوف على مهامها وصفاتها، حتى إذا ما فرغنا من ذلك أصبح من المستطاع أن نتعرف على السلطات التي تمارسها النيابة العامة. وكذا الصلاحيات الجديدة التي اصبحت موكولة للنيابة العامة.

المبحث الأول: تطور مؤسسة النيابة العامة

 سنحاول التطرق للتطور التاريخي لمؤسسة النيابة العامة، فلا يمكن استشراف مستقبل النيابة العامة ببلادنا، ما لم يتم الوقوف على المحطات التاريخية، ثم بعد ذلك نتطرق لمهامها وصلاحياتها، المتمثلة بالأساس في حماية المجتمع من خطر الجريمة.

المطلب الأول: التطور التاريخي

يختلف المؤرخون القانونيون في تحديد التاريخ الحقيقي الذي نشأت فيه النيابة العامة، ولكنهم عثروا على وثائق تعود للقرن الرابع عشر الميلادي، ومن بينها رسالة وجهها ملك فرنسا فيليب الخامس إلى وكلائه، يمنع عليهم فيه صراحة الانتصاب في الدعاوى التي لا تمس حقوق الملك ولا مصالحه المالية. وفي الواقع فقد عرف ممثلو النيابة العامة في ذلك العهد برجال الملك. وكانت مهمتهم الأساسية تنحصر في الدفاع عن حقوق الملك والتاج، والسهر على حماية الاملاك الملكية. وكانوا يأخذون مواقعهم في قاعات المحاكم وهم وقوف على بلاطة خشبية (parquet) منفصلين عن الخصوم الآخرين وعن هيئة المحكمة. ومن هنا جاءت التسمية التي تعرف بها النيابة العامة  » القضاء الواقف » لكونهم كانوا يقفون حين مخاطبتهم المحكمة. كما استمدت المؤسسة اسمها الفرنسي من الأرضية التي يقف عليها رجال الملك (parquet)

وفي فترة تاريخية لاحقة أصبح رجال الملك يشكلون جزء من تشكيلة هيئة المحكمة . ثم اتسعت مهامهم لترتبط بالجريمة والنظام العام، لتحتل بعد ذلك موقعا متميزا في المحاكمة الجنائية ، إلى أن وصل حالها إلى ما هي عليه الآن.

وكما هو الشأن في فرنسا بلدها الأصلي، تشكل مؤسسة النيابة العامة بالمغرب جهازا موحدا، يوجد على رأسه رئيس النيابة العامة. بعد أن كان يشغل هذه المهمة وزير العدل. وبهذا أصبحنا نتحدث عن مفهوم جديد استقلال النيابة العامة.

هذا المبدأ له أهميته ووزنه في وقتنا الراهن، ومكانه الطبيعي والمنطقي هو قانون المسطرة الجنائية. وقد تم التنصيص على هذا المبدأ في أسمى وثيقة، ألا وهي الوثيقة الدستورية.

المطلب الثاني: صلاحيات النيابة العامة

كما مر معنا تجسد النيابة العامة مفهوم الحق العام، وتمثل المجتمع في إقامة وتأسيس الدعوى العمومية أمام الجهات القضائية المختلفة. فهي طرف أصلي في القضايا الزجرية يتعين حضورها عند المناقشة وصدور الأحكام. كما تدخل في تأليف وتشكيل هيئة الحكم، تحت طائلة بطلان تشكيل الهيئة. ويجب أن يوجد بالحكم ما يدل على حضور ممثلها. ولا يكتفي بالقول انه كان حاضرا بل يجب ذكر اسم ممثل النيابة العامة. أما في القضايا المدنية فهي طرف منضم ولا تكون طرفا أصليا إلا في حالات معينة. ومهمة الدفاع عن الحق العام، باعتباره حق مجتمعي خالص، تستدعي مراقبة سير الدعوى العمومية في جميع المراحل والمطالبة بتطبيق القانون، والسهر على تنفيذ القرارات المختلفة التي تصدر عن المحاكم كيفما كانت الجهة التي صدرت عنها هذه القرارات.

يمكن للنيابة العامة أن تطالب بتطبيق القانون حسب المادة 36 من نفس القانون، وهذا يعني أنها تستطيع أن لا تطالب بذلك. وإنما تسند النظر للمحكمة في اتخاذ ما تراه صالحا، وذلك في الملاحظات الشفاهية التي يبديها أثناء المناقشة.

أما بخصوص ملتمساتها التي تعبر عن الموقف الرسمي الذي تتخذه النيابة العامة كمؤسسة، فيجب أن تكون مكتوبة.

الفقرة الأولى: إقامة الدعوى العمومية من قبل وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية

ونشير إلى أنه بمقتضى المادة 44 من قانون المسطرة الجنائية يرجع الاختصاص لوكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية وفي حدود اختصاصه المحلي إقامة الدعوى العمومية عن كل فعل أو ترك يشكل مخالفة أو جنحة.

 وهناك طرق سأشير إليها بتركيز:

أولا: ملتمس كتابي من قبل النيابة العامة بإصدار أمر قضائي في بعض الجنح

نصصت المادة 383 من قانون المسطرة الجنائية على أن: » يمكن للقاضي في الجنح التي يعاقب عليها القانون بغرامة فقط لا يتجاوز حدها الأقصى 5000 درهم، ويكون ارتكابها مثبتا في محضر أو تقرير ولا يظهر أن فيها متضررا، أن يصدر استنادا على ملتمس كتابي من النيابة العامة أمرا يتضمن المعاقبة بغرامة لا تتجاوز نصف الحد الأقصى المقرر قانونا، وذلك بصرف النظر عن العقوبات الإضافية والمصاريف ورد ما يلزم رده.

يكون هذا الأمر قابلا للتعرض أمام نفس المحكمة داخل أجل عشرة أيام من تبليغه وفقا لمقتضيات المادة 308 أعلاه، ويكون الحكم الصادر بعد التعرض قابلا للاستئناف.

في حالة تعرض المتهم، يصبح الأمر الصادر غيابيا كأن لم يكن وتبت المحكمة وفق القواعد العامة ».

ما يلاحظ أن المشرع أخد بامكانية جديدة واختيارية متعلقة بمؤسسة الأمر القضائي في بعض الجنح التي يعاقب عليها بالغرامة فقط، في قضايا تفترض بساطتها وعدم احتمال إضرارها بكيفية واضحة بالحريات الفردية مادام المشرع لا يعاقب عليها بعقوبة سالبة للحرية، لذا اكتفى من أجل إقامة الدعوى العمومية بصددها بالتماس تقدمه النيابة العامة للقاضي تطلب منه إصدار الامر بالعقاب ــ شريطة أن لا يتجاوز نصف المبلغ المحدد في النص القانوني المعاقب عن المخالفة ــ، ومع ذلك، يلاحظ أن المشرع راعى حقوق الصادر في حقه الأمر بأداء الغرامة في الحدود التي يقررها النص، لما خوله التعرض على هذا الأمر داخل عشرة أيام من تبليغه به وفقا للمادة 308 التي تحدد شروط التبليغ وصحته.

ثانيا: التماس وكيل الملك إجراء تحقيق في وقائع جنحية في حالات خاصة

تضمن قانون المسطرة الجنائية النافذ في فاتح أكتوبر 2003 للانتقادات التي وجهت لظهير الإجراءات الانتقالية لسنة 1974 ، حيث تم توسيع  مجال التحقيق، كما تفيد بذلك المادة 83 من ق م ج التي مدت التحقيق الإعدادي حتى للجنح، وجعلته إما وجوبيا، عندما ينص على ذلك القانون في نص خاص، أو اختياريا كلما تعلق الأمر بجنحة ارتكبها أحد الأحداث، أو كان الحد الأقصى لعقوبتها خمس سنوات أو أكثر.

ثالثا: الاستدعاء لجلسة المحاكمة

تعتبر هذه الطريقة من بين الطرق التي تحرك بها الدعوى العمومية من قبل النيابة العامة خاصة بالمخالفات والجنح غير المتلبس بها، التي يكون فيها المتهمون غير معتقلين لأسباب. وتتم عن طريق توجيه النيابة العامة وثيقة رسمية تسمى الاستدعاء إلى المشبوه بارتكابه لمخالفة أو جنحة، يتم بموجبها عرض القضية مباشرة على المحكمة بقصد البت فيها.

رابعا: عرض المتهم فورا على الجلسة بدون سبق استدعائه

صورة من صور تحريك الدعوى العمومية، لا تلجأ النيابة العامة لاستدعاء المشبوه فيه بارتكاب جنحة لجلسة الحكم، وإنما تقوم بعرضه مباشرة على الجلسة للحكم عليه وفقا للمادتين 47 و74 من ق م ج اللتين تجيزان لوكيل الملك إصدار أمر باعتقال المتهم وعرضه فورا على المحكمة لمحاكمته، اللهم إلا إذا لم يكن مقررا عقد جلسة في نفس اليوم، فإنه يجب عرضه لزوما داخل ثلاثة أيام على جلسة تعقد خصيصا لذلك وفقا للمادة 385  المحال عليها بالمادتين 47 و74 من نفس القانون.

الفقرة الثانية: تحريك الدعوى العمومية من طرف الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف

يختص الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بتأسيس الدعوى العمومية عن الجنايات، التي ترتكب في دائرة نفوذه، أو التي يكون مقيما فيها أحد الأشخاص المشتبه في مشاركته في ارتكابها، أو يكون تم القبض عليه فيها ولو  كان ــ القبض ــ تم لسبب آخر، طبقا لما جاء في المادة 20 التي تحيل على المادة 44 من ق م ج.

بالرجوع للمادة 49 /6 من ق م ج نجدها تحدد طريقتين لتحريك الدعوى العمومية:

أولا: الطريقة التي يتم فيها العرض مباشرة أو الإحالة المباشة على غرفة الجنايات، حيث تنص المادة 73 من ق م ج أنه: » إذا تعلق الأمر بالتلبس بجناية طبقا لمقتضيات المادة 56، ولم تكن الجريمة من الجرائم التي يكون التحقيق فيها الزاميا طبقا لمقتضيات المادة 83 بعده، استفسر الوكيل العام للملكأو أحد نوابه المعين من طرفه المتهم عن هويته وأجرى استنطاقه بعد إشعاره أو من حقه تنصيب محام عنه حالا وإلا عين له تلقائيا من طرف رئيس غرفة الجنايات.

وحسب الأحوال، فإن ظهر للوكيل العام للملك من ظروف القضية وملابساتها بأن القضية جاهزة للحكم، أصدر أمره بوضع المتهم رهن الاعتقال وأحاله على غرفة الجنايات بمحكمة الاستئناف داخل خمسة عشر يوما على الأكثر، أما إن تبين له بأن القضية لم تجهز بعد لذلك، التمس من قاضي التحقيق إجراء تحقيق إعدادي لاستجلاء غموض القضية وإعدادها للمحاكمة، وهذه هي الطريقة التالية.

ثانيا: ويتم من خلالها إقامة الوكيل العام للملك الدعوى العمومية بواسطة التماس بإجراء تحقيق إعدادي في القضية التي وإن كانت حالة التلبس متوفرة فيها، لكن شرط جاهزيتها للبت فيها مفتقد.

المبحث الثاني: خصائص وصفات النيابة العامة

يمكن حصر خصائص وصفات النيابة العامة التي تميزها كمؤسسة فاعلة لها أهميتها وخصوصيتها داخل منظومة العدالة الجنائية، وتميزها عن باقي المؤسسات الأخرى فيما يلي:

المطلب الأول: خاصية التسلسل الترتيبي والخضوع الرئاسي

بالرجوع إلى الوثيقة الدستورية نجدها تنص في الفصل الأول من دستور 2011 على مفهوم فصل السلط في إطار التعاون والتوازن. بمعنى أن السلطة القضائية مستقلة عن السلطتين التنفيذية والتشريعية تكريسا لاستقلال القضاء، الذي يعتبرالحارس الأمين والحامي الطبيعي للحقوق والحريات.

وجاء في الفصل 56 من دستور 2011 أن: » يرأس الملك المجلس الأعلى للسلطة القضائية ».

كما عنون المشرع الدستوري الباب السابع من الدستور بالسلطة القضائية، وداخل هذا العنوان نجد عنوان يتعلق باستقلال القضاء. وهذا يعكس أهمية هذا الجهاز ودوره داخل منظومة العدالة الجنائية.

كما نجد الفصل 107 من الوثيقة الدستورية يتحدث عن مفهوم السلطة القضائية، مما يفيد أننا أصبحنا أمام سلطة قضائية، لها وزنها وأهميتها. حيث تم إحداث المجلس الأعلى للسلطة القضائية كمؤسسة دستوريةيرأسها الملك لتحل محل المجلس الأعلى للقضاءز وتمكينها من الاستقلال الإداري والمالي، وتخويل رئيس محكمة النقض مهام الرئيس المنتدب، بدل وزير العدل حاليا، تجسيدا لمبدأ الفصل بين السلط.

ومن جهة أخرى، تضمن الفصل 109 ضمانات للسادة القضاة، حيث جاء فيه: » يمنع كل تدخل في القضايا المعروضة على القضاء، ولا يتلقى القاضي بشأن مهمته القضائية أي أوامر أو تعليمات، ولا يخضع لأي ضغط.

يجب على القاضي كلما اعتبر أن استقلاله مهدد، أن يحيل الأمر إلى المجلس الأعلى للسلطة القضائية.

يعد كل إخلال من القاضي بواجب الاستقلال والتجرد خطأ مهنيا جسيما، بصرف النظر عن المتابعات القضائية المحتملة.

يعاقب القانون كل من حاول التأثير على القاضي بكيفية غير مشروعة ».

ويمكن القول أن هذا الفصل محمل بالعديد من الضمانات، تمكن القاضي من أداء مهمته، دون الخضوع لأية تعليمات أو ضغط، بل يحتكم فقط إلى اقتناعه الصميم والوجداني. وإذا ما مورس تأثير على القاضي بإمكانه إحالة الأمر على المجلس الأعلى للسلطة القضائية.

كما نجد الفصل 110 من الوثيقة الدستورية يلزم قضاة الأحكام بتطبيق القانون، ولا تصدر أحكام القضاء إلا على أساس التطبيق السليم للقانون.

ومن واجب قضاة النيابة العامة تطبيق القانون.

كما يتعين عليهم الالتزام بالتعليمات الكتابية القانونية عن السلطة التي يتبعون لها.

وجاء في الفصل 116 فقرة 5  » يراعي المجلس الأعلى للسلطة القضائية في القضايا التي تهم قضاة النيابة العامة تقارير التقييم.

كما أن الفصل 122 من الدستور تنص على أن: » يحق لكل من تضرر من خطأ قضائي الحصول على تعويض تتحمله الدولة ».

أما بخصوص الظهير المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، فقد جاء بمجموعة من المستجدات، تهم بالأساس تنظيم النيابة العامة، لما لها من أهمية في بناء دولة الحق والقانون. حيث جاء في المادة 66 من الظهير : » مراعاة المجلس الأعلى للسلطة القضائية بالنسبة لقضاة النيابة العامة تقارير التقييم المقدمة من قبل السيد الوكيل العام لمحكمة النقض بصفته رئيسا للنيابة العامة ».

ونصت المادة 72 من نفس القانون: » يراعي المجلس الأعلى كذلك التقارير التي يعدها الوزير المكلف بالعدل حول مستوى أداء المسؤولين القضائيين بشأن الإشراف على التدبير أو التسيير الإداري للمحاكم.

دون المساس باستقلال السلطة القضائية ».

ونصصت المادة 110 على أنه: » يتعلق الأمر بالتقرير الذي يضعه رئيس النيابة العامة حول تنفيذ السياسة الجنائية وسير النيابة العامة ».

هذا التقرير الذي يعده رئيس النيابة العامة يتم عرضه أمام لجنتي العدل والتشريع بمجلسي البرلمان قصد مناقشته.

أما بخصوص الظهير المتعلق بالنظام الأساسي للسادة القضاة، فقد جاء في المادة 3 منه على أن: » السلك القضائي يتألف من هيئة واحدة تشمل قضاة الأحكام وقضاة النيابة العامة ».

وجاء في المادة 25 من نفس القانون: » يوضع قضاة النيابة العامة تحت سلطة ومراقبة السيد الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض ورؤسائهم التسلسليين ».

كما أن المادة 43 من فس القانون : » تميز بين التعليمات الكتابية القانونية الصادرة عن السلطة التي يتبعون لها، وبين الامتثال للأوامر والملاحظات القانونية الصادرة عن رؤسائهم التسلسليين ».

ولأجل ذلك، وحتى تكتمل مؤسسة النيابة العامة، صدر قانون خاص بنقل الاختصاصات من السلطة الحكومية المكلفة بالعدل إلى الوكيل العام لمحكمة النقض بصفته رئيسا للنيابة العامة.

ومن بين أهم ما تضمنه هذا القانون هو سن قواعد لتنظيم النيابة العامة، حيث نصت المادة 1 على أن: » ممارسة الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض بصفته رئيسا للنيابة العامة ممارسة سلطة على قضاة النيابة العامة تابعين لمختلف تراب المملكة ».

وجاء في المادة 2 أن المجالات التي يحل فيها رئيس النيابة العامة محل وزير العدل، يمارس الاختصاصات الموكولة لوزير العدل والمتعلقة بسلطته وإشرافه على النيابة العامة وعلى قضاتها ، بما في ذلك التعليمات الكتابية والقانونية الموجهة إليهم طبقا للنصوص الجاري بها العمل ».

ــ الإشراف على عمل النيابة العامة ومراقبتها في ممارسة صلاحياتها المتعلقة بالدعوى العمومية، ومراقبة سيرها في إطار مضامين السياسة الجنائية طبقا للتشريعات الجاري بها العمل ».

يتضح مما سبق أن أعضاء النيابة العامة يخضعون للتسلسل الترتيبي حسب درجات المحاكم، فوكيل الملك له سلطة على نوابه بالمحكمة الابتدائية، والوكيل العام لدى محكمة الاستئناف له سلطة على أعضاء النيابة العامة العاملين في دائرة محكمته، والوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، بصفته رئيسا للنيابة العامة له سلطة الإشراف على النيابة العامة وعلى قضاتها، وذلك من خلال التعليمات الكتابية القانونية الموجهة إليهم طبقا للنصوص الجاري بها العمل.

وتأسيسا على ذلك، لم يعد وزير العدل رئيسا للنيابة العامة، أصبحت السلطة القضائية مستقلة بنص الدستور. وأصبحت النيابة العامة تخضع لسلطة الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، بصفته رئيسا للنيابة العامة. وهو الذي سيبلغ ما يصل إلى علمه من جرائم، ومكلف بتنفيذ السياسة الجنائية، وليس وزير العدل، وهو الذي يقع عليه تبليغها للوكلاء العامين لمحاكم الاستئناف. إضافة إلى كونه يملك صلاحية الأمر الكتابي القانوني بمتابعة مرتكبي الجرائم أو أن يكلف من يقوم بها. وهذا يجسد بوضوح أهم خاصية من خصائص النيابة العامة، المتمثلة في خاصية التسلسل الترتيبي، مضمونها أن الأدنى يخضع للأعلى.

 المطلب الثاني: خاصية الاستقلال

تعتبر النيابة العامة مستقلة تجاه قضاء الحكم وتجاه الأطراف، فاستقلالهاهو ركيزة أساسية لتعزيز العدالة الجنائية.

وكما مر معنا أن قضاء النيابة العامة هو الذي يمكن قضاء الحكم من وضع يده على النازلة، عندما يختار طريق المتابعة، ولا يمكنه أن يوجه أوامر أو تعليمات لقضاء الحكم. وهو أيضا لا يمكنه أن يوجه تعليمات أو أوامر للنيابة العامة ولو بشكل غير رسمي. وهذا يعني أن النيابة العامة تمارس عملها بكل حرية. ولا يمكن لقضاء الحكم أن تأمرها بالمتابعة، لأن ذلك يطعن في حقها في استعمال النلاءمة. ونفس الشيء بالنسبة لقضاء التحقيق، حيث أن هذا الأخير لا يستطيع أن يضع يده على القضايا إلا بالتماس التحقيق من النيابة العامة. احتراما لمبدأ الفصل بين الوظائف القضائية، الذي يعد ضمانة من ضمانات العدالة الجنائية. ومن تطبيقات ذلك، ما تنص عليه المادة 433 من قانون المسطرة الجنائية أنه: » إذا تبين لغرفة الجنايات أثناء المناقشات وجود أدلة ضد المتهم بسبب أفعال أخرى،وطالبت النيابة العامة الاشهاد بالاحتفاظ بحقها في المتابعة، يأمر الرئيس المتهم الحاضر بالجلسة الذي صدر لفائدته حكم بالبراءة أو الإعفاء، بواسطة القوة العمومية إلى ممثل النيابة العامة ». وهذا يجسد بشكل ملموس مبدأ الفصل بين الوظائف القضائية، الذي يعتبر من صميم المحاكمة العادلة.

واستقلالها بالنسبة للخصوم والأطراف يتجلى في حريتها لإقامة الدعوى أو عدم إقامتها، وكذلك متابعة شخص دون آخر على الرغم من ذكر اسمه في نفس الشكاية، ثم إنها لا تتقيد بمطالب ولا بمواقف الأطراف.تمارس الدعوى العمومية من بدايتها إلى نهايتها، تمكن قضاء الحكم من وضع يده على النازلة، فطبيعة الوظيفة التي تقوم بها، تفرض وضعا خاصا لها، لأنها تجسد الحق العام، وهي الممثل الرسمي للمجتمع. لذا فلا يمكن تجريح قضاة النيابة العامة، بخلاف قضاء الحكم أو قاضي التحقيق يمكن تجريحهم. ومن بين الأسباب التي يمكن من خلالها تجريح قضاء الحكم:

ــ عندما يكون للقاضي أو لزوجه مصلحة مباشرة أو غير مباشرة في الحكم.

ــ عندما يكون للقاضي أو لزوجه قرابة أو مصاهرة مع أحد الأفراد.

ــ عندما يكون أحد الأطراف أو زوجه أو أصولهما أو فروعهما دعوى لازالت جارية أو انتهت نذ أقل من سنتين.

ــ عندما تكون علاقة تبعية مع أحد الأطراف إما مع القاضي أو زوجه.

ــ عندما تكون علاقة صداقة أو عداوة معروفة، أو عندما يكون القاضي هو المشتكي.

ومن هنا إذا توفرت سبب من هذه الأسباب يمكن تجريح قضاة الأحكام، بما فيهم قضاة التحقيق. فالنيابة العامة كما يقال خصم شريف، يحظى بتمثيل المجتمع، والقاعدة أن الخصم لا يجرح ولا يرد على خلاف قضاة الحكم الذين يجرحون، ونفس الشيء بالنسبة لقاضي التحقيق.

المطلب الثالث: خاصية وحدة النيابة العامة أو وحدة الجهاز

يقصد بهذه القاعدة أن أعضاء النيابة العامة يمكن أن ينوب بعضهم عن بعض في قضية معينة، بل وفي جلسة واحدة. لأن كل واحد من هؤلاء الأعضاء ينوب عن هذه المؤسسة ويعبر عن الموقف الرسمي الذي اتخذته من القضية، ومن ثم لا يؤثر تغيير هؤلاء الأعضاء على هذا الموقف. وذلك بخلاف قضاة الحكم أو هيئات الحكم الذين يحكمون بناء على اقتناعهم الصميم والوجداني، ولا يمكن أن ينوب بعضهم عن بعض في تكوين هذا الاقتناع. ولا يمكن للقاضي أن يعتمد على الاقتناع الذي كونه القاضي السابق، لأن الاقتناع مرتبط بالعقيدة التي توصل إليها القاضي من البداية إلى النهاية. وإذا حالت ظروف دون ذلك، فإن القضية تعاد من جديد وإلا سيترض الحكم للبطلان.

ووحدة النيابة تأتي من كونها تمثل المجتمع، وهي شخصية معنوية لا تقبل التجزئة. فمهامها، وأعمالها، وجهازها تطغى على الشخصية المستقلة للأعضاء الذين يكونونها. لذا يمكن لكل عضو من أعضاء النيابة العامة أن يبوب عن الآخر، بل أن يحل محله دون أن يؤدي ذلك إلى بطلان الإجراءات، وذلك طيلة مراحل الدعوى العمومية، ومهما تطلب ذلك من التماسات.وهذا يقتصر على تمثيل النيابة العامة لدى نفس المحكمة، ولا يمكن لأحد أعضاء النيابة العامة أن ينوب عن آخر في محكمة أخرى. بل خاصية الوحدة مرتبطة بالتمثيل على مستوى نفس المحكمة. ويمكن القول أن هذا الجهاز يشتغل كوحدة، أي كجسم واحد. بخلاف قضاة الحكم، لأنهم محكومون بقاعدة الاقتناع. هذا فيما يخض مؤسسة النيابة العامة، فما دور مؤسسة الشرطة القضائية في تعزيز العدالة الجنائية؟

بقلم الأستاذة وفاء أب جدي محامية بهيئة الرباط

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *